خلال ثلاث سنوات من إطلاقه رسميًا في: 4/2/2004، تحول موقع فايس بوك
إلى واحدٍ من أشهر المواقع العالمية. وتجده منذ منتصف العام 2007 بين المواقع الأكثر شعبيةً في معظم الدول العربية. ويقدر عدد المشتركين فيه بحوالي ستين مليونًا من حول العالم، وقد تقدم الموقع خلال العام 2007 من المرتبة ستين إلى المرتبة السابعة، أي أنه سابع أكثر موقع مطروق عالميًا، من بين ملايين المواقع المتوفرة على النت. ويظهر الرسم البياني لوتيرة الدخول إلى فايس بوك خلال عام 2007 نموًا انفجاريًا يتقمص تمامًا شكل دالة أسية كما يمكن أن يلاحظ الناظر إليها.
ويحتل الموقع المراتب الأولى في الكثير من الدول الغربية، ويأتي أحيانًا في المرتبة الأولى.
ويعتبر مستخدمو النت المصريون ثم الأردنيون ثم الإماراتيون الأكثر استخدامًا له بين مستخدمي النت العرب. وفي ليلة: 12/12/2007 مثلًا كان فايس بوك يحتل المرتبة الأولى في كندا، والمرتبة الثانية في بريطانيا، والمرتبة الثالثة في مصر والأردن، والمرتبة الخامسة في الولايات المتحدة، مع العلم أن أكثر بقليل من ربع المشتركين في الموقع هم من الأمريكيين.
وقد ثارت حول الموقع مجموعة من الملاحظات والانتقادات الحادة المترافقة مع نموه السريع وغير العادي، وكان بعض تلك الملاحظات سياسي الطابع، تربطه بشبكات أمنية تنتهي عند وكالة المخابرات المركزية الأمريكية
CIA
ووزارة الدفاع الأمريكية، ولم يكن مطلقو الاتهامات هذه المرة من العرب أو المسلمين أو حتى من يساريي أمريكا اللاتينية أو نازيي أوروبا، أو من الكتاب المشهورين بتبني نظريات المؤامرة، بل من بعض المواطنين الأمريكيين العاديين، ومن شريحة متنوعة منهم، بعضهم ليبرالي النزعة، وبعضهم الآخر غير مسييس أثارته تجارب عايشها وأصدقاؤه مع الموقع أدت إلى اعتقالات ومتابعات وفصل من الجامعات بسبب معلومات حصلت عليها الشرطة المحلية وإدارات الجامعات عنهم من فايس بوك!! ويحفل الإنترنت بالصفحات والتعليقات المكتوبة باللغة الإنكليزية ضد الموقع المذكور.
وقد نال الموقع الاهتمام بين بعض مستخدمي النت العرب عندما حجبته وزارة الاتصالات السورية عن عشرات آلاف مستخدميه من السوريين دون إعلان الأسباب في: 18/11/2007، بعدما تكاثرت فيه الشبكات والمجموعات والتعليقات المعارضة للقيادة السورية، وقد ذكر تقريرٌ في النسخة الإلكترونية من صحيفة (الأخبار) في 21/11/2007 أن السبب الفعلي للمنع ربما يكون احتواء بعض صفحات فايس بوك على (رسائل تسب الدولة السورية وتشتم الرئيس والمسؤولين فيها)، وقد علق آخرون في بعض المنتديات على النت أن فايس بوك حجب لأنه كان يستخدم كأداة للتغلغل الصهيوني في سوريا دون إيضاح. وتأتي هذه المادة لإلقاء بعض الضوء على موقع فايس بوك وأهدافه ومموليه والقوى المحركة له.
مؤسس موقع فايس بوك كان طالبًا في جامعة هارفرد عام 2004، واسمه مارك زُكربرغ، وهو يهودي من نيويورك أسس الموقع في البداية كشبكة للتعارف لطلاب البكالوريوس في جامعة هارفرد النخبوية. وتدريجيًا بدأ فتح الشبكة لطلاب جامعات الأيفي ليغ Ivy League، وهي مجموعة النخبة من ثماني جامعات، المصنفة فوق الدرجة الأولى عالميًا، والواقعة على الساحل الشمالي الشرقي من الولايات المتحدة الأمريكية، ومنها جامعة هارفرد التي أتى منها مارك زكربرغ. ومن ثم بدأ فتح شبكة التعارف الاجتماعية، التي تكون حولها موقع فايس بوك، باتجاه جامعات نخبوية أخرى على الساحل الغربي للولايات المتحدة مثل جامعة ستانفورد وغيرها. ومع عام 2005، كان موقع فايس بوك قد توسع باتجاه المدارس الثانوية الأمريكية، والجامعات الأمريكية كافة، ومن ثم باتجاه كندا وبريطانيا، وبعدها باتجاه بقية دول العالم مع العام 2006.
ولكن قبل ذلك، في عام 2004 بالتحديد، رفعت شركة إنترنت كانت تدير شبكة الاتصال الداخلية لطلاب جامعة هارفرد قضية على مارك زُكربرغ، بتهمة سرقة البرنامج الذي تعاقدوا معه على إعداده، لكي ينشأ موقعه فايس بوك.
وحتى الآن لا مشكلة سياسية، فالحديث يدور عن موقع للتعارف الاجتماعي يتألف حاليًا من آلاف، إن لم يكن عشرات آلاف المجموعات أو الشبكات، القائمة حول مدرسة أو جامعة أو منطقة جغرافية أو مكان عمل أو دائرة اهتمامات فنية أو مهنية أو سياسية محددة، يتعرف المنتسبين إليها على بعضهم البعض عن طريق المعلومات والصور التي ينشرها كل منتسب عن نفسه، عبر صفحته الخاصة التي يضع فيها ويحدث معلوماته الشخصية لكي يطلع عليها زملاؤه في الشبكة، ويضم مجموع هذه الشبكات حاليًا معظم طلبة الجامعات الأمريكيين تقريبًا، وعشرات الملايين غيرهم، ويقومون بتغذيتها بتفاصيل كثيرة عن أنفسهم مثل نوعية الكتب التي يقرأونها، والأفلام التي يشاهدونها، وطبيعة توجهاتهم السياسية، والنوادي التي ينتسبون إليها، وعناوينهم الشخصية، وأماكن عملهم الحالية والسابقة، وسجلهم الدراسي، ونشاطاتهم اليومية. تحت شرط قانوني يتيح لموقع فايس بوك استخدام كل هذه المعلومات كما ترى.
ولكن هنا تتعقد الأمور قليلًا، عندما تدخل أجندة سياسية ما على الخط: ففي نهاية عام 2004 حصل زُكربرغ على نصف مليون دولار من المستثمر بيتر تيل Peter Thiel، وهو محسوب على المحافظين الجدد، ويعتبر أحد رموزهم.
وأيضًا لا مشكلة! فمن حق المرء أن يستثمر ماله كما يشاء، أليس كذلك؟ وربما يكون الأمر صدفة عابرة، ولكن لا! ففي أيار/ مايو 2005 حصل موقع فايس بوك على 12,8 مليون دولار من شركة أكسل
Accel Partners
، وقد كانت تلك اللحظة المفصلية التي تم فيها الانفتاح الواسع على طلبة الثانوي، وعلى الطلاب والشباب في كثير من البلدان الأخرى خارج الولايات المتحدة.
والمشكلة هنا أن مدير شركة أكسل هو جيمس براير، الرئيس السابق لشركة
NVAC
التي كان يشاركه في مجلس إدارتها غيلمان لوي، الذي كان يرأس شركة
In-Q-Tel
، وهي شركة سجلتها رسميًا وكالة المخابرات المركزية الأمريكية
CIA
عام 1999 من أجل تبني وتطوير تكنولوجيات حصد المعلومات.
كما أن جيمس براير، مدير الشركة الممولة لموقع فايس بوك، خدم أيضًا في مجلس إدارة شركة
BBN
لتطوير تكنولوجيا الإنترنت، إلى جانب د/ أنيتا جونز، وإلى جانب غيلمان لوي الذي سبق ذكره أعلاه. والمهم هنا أن د/ أنيتا جونز
خدمت أيضًا في مجلس إدارة شركة
In-Q-Tel
ولكنها قبل ذلك كانت مستشارة لوزير الدفاع الأمريكي، ورئيسة
وكالة مشاريع الأبحاث المتقدمة في وزارة الدفاع الأمريكية. وقد اشتهرت (وكالة مشاريع الأبحاث المتقدمةعام 2002 عندما كشفت النيويورك تايمز وجود مكتب يرتبط بها هو
Information Awareness Office
يهدف لجمع أكبر قدر من المعلومات عن كل وأي إنسان، ووضع تلك المعلومات في مكان مركزي واحد ليتم الوصول إليها واستخدامها بسرعة عند الضرورة من قبل حكومة الولايات المتحدة الأمريكية. وتضم هذه المعلومات كل شيء يمكن الوصول إليه عن الشخص، من استخدامه للإنترنت، إلى فواتير هاتفه وكهربائه ومائه، إلى سجلاته الطبية والمدرسية والأكاديمية، إلى سجلات ضريبة دخله وحساباته المصرفية وقروضه وبطاقات ائتمانه، إلى مشترياته عبر النت وبطاقات سفره، إلخ...
ويوثق أحد المواقع على الإنترنت مثالًا على إحدى التقنيات التي أنتجها المكتب المذكور لتصنيف وتحليل السلوك الاجتماعي آليًا، وهو ما يفعله موقع فايس بوك عمليًا لينتج إحصائيات دورية لنسبة الطالبات الجامعيات اللاتي تتبنين توجهات سياسية محافظة مثلًا، أو لنسبة طلبة الجامعات الذين قرأوا كتابًا معينًا، أو أكثر الأفلام شعبيةً بين طلبة الجامعات. وهي معلومات تمكن الاستفادة منها سياسيًا أو تجاريًا.
ولكن موقع فايس بوك مدر للدخل أيضًا، وقد قدر دخله الأسبوعي عام 2006 بحوالي مليون ونصف المليون دولار أسبوعيًا، وتحدد شروط الخدمة الخاصة به حق الشركة باستخدام كل المعلومات التي يضعها المشترك على موقع فايس بوك بالطريقة التي تراها الشركة مناسبة، كما سبق الذكر، سواء بتحليلها إحصائيًا، سياسيًا أو اجتماعيًا، أو بمقاسمتها مع (شركات أخرى مسؤولة)، شركات تجارية مثلًا! وهو مصدر الربح الحقيقي، لأن المشتركين لا يدفعون مالًا لفايس بوك مباشرة. ويبدو أن موقع فايس بوك مربح لدرجة كبيرة، إذ رفض عرضًا بالبيع مقابل مليار دولار تقريبًا عام 2006، وما زالت العروض تتقاطر على زُكربرغ، منها شراء شركة مايكروسوفت في: 24/10/2007 لأقل من اثنين بالمئة (1,6%) من شركة فايس بوك مقابل 246 مليون دولار فقط!
وقد حدثت مشكلة كبرى مع مشتركي فايس بوك مؤخرًا على ما يبدو، في الجانب التجاري، عندما أضاف الموقع خدمة ترسل لائحة بمشتريات المشترك إلى أصدقائه آليًا في الشبكة الخاصة به على موقع فايس بوك (كنوع من الترويج لها، مقابل عمولة من البائع طبعًا)، وكان يوجد ليلة: 12/12/2007 اعتذارٌ رسمي من مارك زُكربرغ للمشتركين، في الصفحة الرئيسية للموقع، بسبب إضافة تلك الخاصية تلقائيًا إلا إذا ضغطوا على زر معين لإلغائها قد لا ينتبهون له.
وعودة للبعد المتعلق بانتهاك الخصوصية، توثق موسوعة ويكيبديا على النت، في الصفحة الخاصة بالتعريف بموقع فايس بوك، كيف سبق استخدام المعلومات المنشورة في المجموعات المختلفة في فايس بوك لمعاقبة طلبة انتهكوا قوانين مدارسهم أو جامعاتهم بشكل أو بآخر، وللتحقيق بجنح بسيطة أو بجرائم عادية، أو لمعاقبة طلبة عبروا عن أراء تعتبر عنصرية أو مسيئة لإدارة المؤسسة الأكاديمية.
وقد فرضت حكومة أونتاريو المحلية في كندا، في أيار/ مايو 2007، حسب موسوعة ويكيبديا، حجبًا رسميًا شاملًا لفايس بوك من خلال أي جهاز حاسوب حكومي تابع لها. وكذلك فعلت وزارة التعليم في ولاية ساوث ويلز الجديدة في أستراليا عندما منعت أي طالب أو أستاذ من الدخول لفايس بوك عبر أجهزة حاسوبها، ومن الواضح أن السبب لم يكن منع حرية التعبير، بل منع الاختراق الأمني والتلاعب بالمواطنين واستغلالهم.
ويشار أيضًا إلى أن وزارات أخرى في أستراليا، حسب ويكيبديا، قد فرضت الحجب على فايس بوك أيضًا. وكانت جامعة نيو مكسيكو في الولايات المتحدة في شهر أوكتوبر/ تشرين الأول 2005 قد فرضت حجبًا على موقع فايس بوك عبر أجهزة حاسوبها ما زالت تفرضه حتى تاريخ كتابة هذه السطور في: 12/12/2007.
للكاتب : د/ إبراهيم علوش